لقد أسست ثورات الربيع العربي واقعاً جديداً يطالب بالحرية والديمقراطية والتغيير، وجاء الإصلاح الإعلامي ضمن متطلبات هذه الثورات سعياً للخروج من حالة التبعية التاريخية للدولة ومراكز القوى الفاسدة في المجتمعات إلى آفاق جديدة من حرية التعبير والنشر والبث والحصول على المعلومات، كذلك أصبحت دراسة الأزمات من الدراسات التي تحظى باهتمام متزايد في العصر الحالي، وبالرغم من أهمية دور الإعلام في إدارة الأزمات؛ إلا أن علم إدارة الأزمات إعلامياً لا يزال اتجاهاً حديثاً نسبياً، وقد أشارت العديد من الدراسات التي تناولت دور الإعلام في إدارة الأزمات سواء الداخلية مثل الأزمات الاجتماعية والبيئية والصناعية أو الأزمات الخارجية الدولية إلى أهمية الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام أثناء وبعد الأزمات، بل إن هذه النوعية من الأزمات تعتمد في إدارتها على وسائل الإعلام كأحد مكونات استراتيجية مواجهة الأزمة.
وبرز دور برامج الرأي (التوك شو) المقدمة بالقنوات الفضائية التليلفزيونية المصرية في ظل ازدياد الحراك السياسي والاجتماعي في المجتمع المصري وارتفاع سقف الحرية المتاح لمناقشة الكثير من الموضوعات الشائكة وأثمر ذلك عن اهتمام الجمهور المصري بهذه البرامج، حيث تمكنت من فرض نفسها كبديل إعلامي جديد يستقي منه المشاهد معلوماته ويكّون آراءه واتجاهاته نحو الواقع المعاش والقضايا المثارة على الساحة السياسية ومصدراً أساسياً لمعرفة الجمهور المصري بالشئون العامة. كما استطاعت منافسة نشرات الأخبار بشكلها التقليدي في تقديم عرض لأهم الأحداث اليومية المتعلقة بالشأن المصري.
وفي الكتاب الحالي ندرس ونبحث كيفية معالجة برامج الرأي في الفضائيات المصرية للأزمات الداخلية، ومعرفة الأطر المستخدمة، ومعرفة علاقة هذه المعالجة بتشكيل اتجاهات الجمهور المصري من خلال الوقوف على مجموعة من المتغيرات التي قد تؤثر في علاقة الإعلام بتشكيل الاتجاهات لدى الجمهور. حيث تضمن الكتاب فصل يشمل جزء نظري عن الأزمات وأسبابها والتخطيط لإدارتها، وفصل نظري عن معالجة الأزمات وإدارتها إعلامياً، وفصل آخر عن برامج الرأي أهميتها وعوامل نجاحها، ثم ذُيل الكتاب بفصل عن دراسة بعنوان "أطر معالجة برامج الرأي في الفضائيات المصرية وانعكاساتها على تشكيل اتجاهات الجمهور - دراسة مسحية" وتشمل نتائج الدراسة التحليلية لأطر معالجة برامج الرأي (صفحة جديدة بقناة النيل لايف ممثلة للقنوات الحكومية، والحياة اليوم بقناة الحياة ممثلة للقنوات الخاصة) للأزمات المصرية، ثم نتائج الدراسة الميدانية على عينة قوامها 400 مفردة من الجمهور العام في محافظات القاهرة باعتبارها العاصمة، الاسكندرية ممثلة لمحافظات الوجه البحري، أسيوط ممثلة لمحافظات الوجه القبلي، لمعرفة انعكاس أطر معالجة برامج الرأي للأزمات المصرية على اتجاهات الجمهور، بالإضافة إلى مناقشة النتائج العامة واختبار فروض الدراسة والتوصيات.